تصدر غلاف مجلة "نيوزويك" الاميركية صورة الرئيس بشار الاسد وعليها عنوان يقول "لقد عاد" ضمن مقال طويل بعنوان "بشار الأسد يعود إلى المسرح العالمي في هزيمة للولايات المتحدة والفوز لأعدائها".
واحتفى الاعلام المحلي بهذا العدد وتصدر صورة الاسد لغلاف الصحيفة الاميركية والمقال الطويل الذي امتد على سبع صفحات (3500 كلمة) على انه نصر للاسد على الولايات المتحدة الاميركية فما حقيقة هذا المقال.
لمشاهدة التسجيل على اليوتيوب .. اضغط هنا
لنبدأ بالصورة التي تصدرت الغلاف.. وكما تلاحظون ليست افضل صورة للاسد، وهي مع العنوان فوقها، "لقد عاد" تشبه افيشات افلام الرعب التي تتحدث عن عودة سفاح او قاتل متسلسل..
وكما يقولون المكتوب مبين من عنوانه.. لو كان المقال يتحدث "ايجابيا" عن الرئيس الاسد لكانوا استخدموا صورة لطيفة اكثر من هذه الصورة..
والمقال هو تقرير طويل يشارك بالرأي فيه العديد من الشخصيات، الخلفية التي اعتمدها هي الحقائق المعروفة عما جرى في سورية القمع الوحشي والقتل، استخدام الكيماوي التعذيب اللجوء والنزوح.. كله كان موجودا..
لا يوجد مراجعة للقصة التي تتردد منذ عشر سنوات في هذا الخصوص لا يوجد اي جديد..
اما فيما يخص الاراء التي جاءت ضمن المقال دعونا نستعرض الشخصيات المشاركة
علياء علي السكرتير الثالث في بعثة سوريا في الامم المتحدة.
منى يعقوبيان مستشارة في المعهد الاميركي للسلام
مراقب مجهول الهوية
نصر الشمري نائب الامين العام لحركة النجباء الارهابية
يفنجي بوزينسكي ضابط روسي سابق
بثينة شعبان مستشار الرئيس الاسد
فرهاد الشامي مدير المكتب الاعلامي في قسد
الهام محمد الرئيسة المشتركة لقوات سوريا الديمقراطية (نقلا عنها)
ديفيد شكنر المساعد السابق لوزير الخارجية الاميركي (نقلا عنه)
روبرت فورد السفير الاميركي في سوريا
في علم الاعلام وفي مراحل متقدمة منه هناك مادة حول الانحياز، كيف تقيم مادة على انها منحازة خاصة تلك التي تنشر في الصحافة المحترفة.
واول قواعد كشف الانحياز هو النظر الى التوازن، لاحظو بان كل الاطراف التي تحدثت الى المجلة هي من طرف النظام او قريبة منه او انها لا تناصبه العداء.. لم يتم الاتصال مع اي من معارضي النظام او الذين لديهم وجهة نظر اخرى حول الموضوع.
ورغم هذا فان المحرر في ما يعرف باسم السياق الذي يربط بين فقرات التقرير واراء المشاركين كان يمرر جملا فيها رسائل واضحة حول موضوع عودة الاسد.. مثلا
“الموقف الرسمي للولايات المتحدة من الأسد وسوريا. لا تزال العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق مقطوعة، وسفارتيهما مغلقة، ولا يوجد مسار واضح للمصالحة".
“إدارة بايدن لن تطبع العلاقات مع الأسد .."
وعمليا كل عبارات النصر واستعادة الاسد لمكانته وعودته كانت على لسان الشخصيات التي تعمل لصالحه، شعبان، علي والمراقب المجهول..
حتى الصديق الروسي اشار بان بقاء الاسد كان مرهونا بتدخل روسيا وايران و قال بالحرف واقتبس
"روسيا تقوم من السماء بقصف وتوجيه ضربات صاروخية، وإيران تعمل على الأرض".
اما الصديق الايراني الذي تكلم بلسانه نائب امين عام حركة النجباء الارهابية فقد قال بشكل واضح..
“تدخلنا كان مفروضا لحماية المسلمين الشيعة”
يؤكد السفير فورد هذه الحقيقة في انتقاده لعدم اتخاذ اميركا اجراءات جدية للاطاحة بالاسد ويقول للمجلة
“التدخل الأمريكي في سوريا.. يقع في نطاق نفوذ طهران وموسكو أكثر من نفوذ واشنطن".
بالنتيجة فان النصر الذي حققه الاسد واستعاد بموجبه قسما من الاراضي التي خرجت عن سيطرته كانت بفضل روسيا وايران وهي لمصلحة روسيا وايران، هكذا يحاول المحرر ان يخبرنا.
ويختم فورد الشخصية الوحيدة الوازنة في اللقاء بعبارة مأساوية لمستقبل سوريا.. فيقول
"سوريا دولة ممزقة اقتصادياً، وهي ممزقة اجتماعياً أيضاً.. "نزح نصف البلاد وفر أكثر من ربع السكان من البلاد. لن يتحسن الوضع بالنسبة للسوريين العاديين داخل سوريا، ولن يتحسن الوضع بالنسبة للاجئين السوريين. إنه أمر مأساوي فقط".
نعم الاسد انتصر ولكن الوضع مأساوي للسوريين.. المجلة لم تأت بجديد.. اذا كان معيار الانتصار بقاء الاسد فلقد انتصرنا على المدى المتوسط على حد تعبير مستشارة المركز الاميركي للسلام..
واذا كان الموضوع يتعلق بسوريا فقد عبر المقال رغم انه يبدو تقرير علاقات عامة مدفوع.. عن ذات الفكرة حيث ورد في مقدمته
"بعد مرور عقد من الزمان.. يقف الأسد قويًا في مواجهة دولة محطمة إلى حد كبير لا تملك سوى القليل من الخيارات.."
بالعامية عندنا يقولون خربها وقعد على تلتها..
في النهاية اقول من واقع خبرتي الطويلة في الاعلام، كل وسائل الاعلام ترتبط بشركات علاقات عامة ضخمة يمكن ان تشتري فيها مساحات لاستخدامها لمصلحة طرف من الاطراف، ويحاول المحرر ان يوازن المادة من خلال السياق والخلفية..
ونحنا هنا نتكلم عن ملايين الدولارات اذا اردت ان تنشر مقالا بهذا الحجم في مثل هذه المجلة، التي يمكن ان يعتبر النظام مجرد نشر صورته ولو كانت بهذا السوء وعنوان لقد عاد نصرا له، ولكن في الحقيقة فان القارئ الغربي عندما يقرأ التفاصيل ستتشكل لديه قناعة مغايرة تماما للهدف الذي دفعت من اجله كل هذه النقود..